تتولى البروفيسور ليلي كونغ رئاسة جامعة سنغافورة للإدارة منذ عام 2019، وهي أول مواطنة سنغافورية تترأس هذه الجامعة، وأول امرأة تتولى رئاسة جامعة في سنغافورة. وقد تولت في السابق منصب وكيل الشئون الأكاديمية بجامعة سنغافورة للإدارة (2015-0182). وقبل ذلك، شغلت عددًا من المناصب الإدارية العليا في الجامعة الوطنية في سنغافورة. وهي أكاديمية حائزة على جوائز وباحثة متعددة التخصصات ذات جذور أكاديمية في علم الجغرافيا. وانضمت إلى المجلس الاستشاري لتعليم نورد أنجليا في أكتوبر 2024.
لطالما رغبتُ في أن أكون معلمة. فقد أخبرتني والدتي أنّني منذ أن كان عمري ثلاث سنوات، كنتُ أضع دُمايَتي على شكل صفٍ على الحائط وأتخيّل أنّني أُدرّس لها. كنت استمتع بشرح الأمور للآخرين، واعتقدتُ دائمًا أنّني سأدرّس في مدرسة قبل المرحلة الجامعية يومًا ما. وحتى خلال عطلات المدرسة والجامعة، كنتُ أعمل كمعلمة بديلة بدوام جزئي في المدارس، وقد استمتعتُ بذلك تمامًا.
ولكن حين كنتُ طالبةً في مرحلةِ ما قبل التخرج، زاد لدي تدريجيًّا شغف البحث العلميّ أيضًا. وبعد نحو أسبوعٍ من امتحاناتي النهائيّة، اتصل بي رئيس القسم وقال: "نرغب في رعاية دراستك للدكتوراه، وبعد حصولك عليها يمكنك العودة للعمل معنا. هل ترغبين في ذلك؟" وقد أحببتُ تمامًا فكرة الجمع بين التدريس والبحث العلمي.
هناك عدة أسباب. أولاً، وكجزء من بحثي، درستُ الطلاب الذين يلتحقون بالمدارس الدولية وينشؤون في مجتمعات خارج بلدانهم الأصلية. فقمت بزيارة المدرسة البريطانية في مدينة غوانجزو، والتي تُعَدّ جزءًا من شبكة نورد أنجليا، ولطالما كان اهتمامي مُنصبًّا على ظاهرة "أطفال الثقافة الثالثة" – كيف يرتقون ويتعلمون – لذا رأيتُ في ذلك فرصة رائعة لتعميق فهمي، أملًا في أن أُساهم بشيءٍ هادف في هذا المجال.
السبب الثاني هو أن نورد أنجليا تُعَدّ شبكة ضخمة من المدارس، وأعني بذلك أنها الأضخم بأفضل طريقة ممكنة. فهناك عددٌ كبير من المدارس ضمن هذا النظام، وإذا وُجدت ممارسات جيدة في واحدة منها، فهناك احتمالٌ حقيقي لأن يكون لها تأثيرٌ أوسع عبر الشبكة بأكملها. وإذا استطعت، بصفتي عضوًا في المجلس، أن أُساهم في إحداث ذلك الأثر المضاعف، فسيكون ذلك أمرًا رائعًا للغاية.
كذلك كنتُ أرغبُ أيضًا في المساعدة على سد الفجوة بين التعليم الأساسي والتعليم الجامعي — سواءً من خلال ممارسات في الجامعات يمكن لمدارس التعليم الأساسي أن تطبقها، أو العكس — فسيكون من الرائع أن أُسهم في ذلك التعلم والارتقاء المشترك.
بالتأكيد. سأبدأ بالحديث عن نقطةٍ ذكرتها في تلك المحاضرات. إننا بحاجة إلى توسيع تركيزنا بما يتجاوز مجرد "الذكاء المعرفي"، ووضع تأكيدٍ أكبر على مجالات أخرى مثل الذكاء الجسدي–الحركي، والذكاء بين الأشخاص، والذكاء الشخصي. فكل هذه جوانبٌ حيوية، ولا يمكن ترك تطورها حتى دخول الجامعة، بل يجب رعايتها ودعمها طوال رحلة تعليم الشخص منذ سن مبكرة.
في الواقع، أودّ القول بإن المدارس تقدّم حاليًا دعمًا أفضل لهذه الجوانب مقارنةً بالجامعات. على سبيل المثال، لا تزال العديد من المدارس تعطي الأولوية للتربية البدنية، والتي تُنمّي الذكاء الحركي–الجسدي، في حين أن غالبية الجامعات تهمل ذلك الجانب، وأعتقد أن في ذلك خسارة حقيقية. وإذا كنا سنعيش حياةً أطول ونقدّم مساهماتٍ هادفة للمجتمع والاقتصاد، فسيكون الحفاظ على صحتنا البدنية والعاطفية والاجتماعية أمرًا حاسمًا. ولا بدّ من ترسيخ هذا المبدأ في المراحل المبكّرة.
توفر المدارس بيئة يتعلم فيها الشباب مهارات حياتية أساسية، مثل كيفية التعاون وإدارة الصراعات وإصلاح العلاقات. هذه التجارب الإنسانية أساسية، وتلعب المدارس دورًا محوريًا في مساعدة الطلاب على التعامل معها.
إذا كان هناك شخصان يتمتعان بنفس القدرات المعرفية ونفس القدرة على تقديم عملٍ بجودةٍ عالية، فمن المرجح أن تقوم الشركة بتوظيف أو ترقية الشخص الذي يمتلك أيضًا هذه المهارات الناعمة ويستطيع الذهاب إلى أبعد من الجانب الأدائي من الوظيفة.
أعتقد أن الأمر المحزن هو أنه على مستوى الإدارة العليا، سوف يقول الجميع أن المسألة لا تتعلق فقط بالدرجات، بل بتلك الأبعاد الأخرى التي لها أهمية حقيقية. ولكن عندما يصل الأمر إلى مديري التوظيف، ويكون أمامهم مئات الطلبات على وظيفة واحدة، فماذا يبحثون عنه؟ إنهم يستخدمون الدرجات كوسيلة للفرز. ومن الصعب، نوعًا ما، اختبار صفات أخرى مثل الصمود. يمكنك تقييم المهارات الاجتماعية في المقابلة الشخصية، وقد تطرح أسئلة افتراضية عن الصمود، لكننا لا نستطيع التأكد فعليًا. لذلك، وللأسف، تميل الشركات في مرحلة التوظيف إلى الاعتماد على المقاييس الموضوعية، ولا تُعير تلك الأبعاد البشرية الأخرى الاهتمام الكافي.
أعتقد أنه من الضروري أن يتعلم الشباب كيف يتعلمون. فهذه هي المهارة الأكثر قيمة والتي يمكنهم أن يحملوها معهم طوال حياتهم.
نسمع أحيانًا من أصحاب العمل من يقول: "الخريج الذي تخرّج من جامعتكم لم يكن يعرف ما يجب عليه فعله في يومه الأول – ولقد كان علينا أن ندربه. أنتم بالتأكيد لا تقومون بعملٍ جيد." لكن ردي هو التالي: إذا كنتم توظفون شخصًا في قطاع المالية، على سبيل المثال،
فنحن لا نعلّمه المنتجات المعينة التي تبيعها شركتكم. فهذا دوركم. ما نقوم به هو تعليمهم كيفية فهم تلك المنتجات - والأهم من ذلك، كيفية تنمية المهارات التي تمكّنهم من تخيّل وتصميم الجيل القادم من هذه المنتجات.
لقد بنوا الأسس الصحيحة واكتسبوا عادات تفكير تساعدهم على التعلّم والتكيف بسرعة. ومع الوقت، سيتعلمون التفاصيل - لكن ما يهم حقًا هو قدرتهم على التعلّم.
وفوق كل ذلك، لا سيّما في هذا العصر الذي يواجه فيه كثير من الناس – صغارًا وكبارًا – تحديات تتعلق بالرفاهية النفسية، يجب أن نجد سُبلًا لتعزيز صمود الشباب ومرونتهم.
في سنغافورة، وربما في كثير من دول آسيا، هناك نوع من البراغماتية – بل ربما أيديولوجية براغماتية – ترى أن الذهاب إلى الجامعة يتعلق بالحصول على وظيفة جيدة والتقدم في الحياة. ونظرًا لما نشهده من تمدّن متسارع وتغيرات سريعة في سوق العمل، يمكن أن يشعر الشباب بسهولة بأنهم مُبْعَدون أو مهمشون، لأن عالم العمل يتغير باستمرار.
قد يكونون قد اختاروا تخصّصًا دراسيًا معيّنًا، لكن فجأة يتغير عالم العمل، والمهنة التي كانوا يطمحون إليها لم تعد موجودة حين يتخرجون. فكيف يمكنهم إذًا أن يخلقوا معنى لحياتهم في عالمٍ يتغير بهذه السرعة؟
في عصر الذكاء الاصطناعي، قد يكون الأهم في منظومة التعليم أن نغرس ونقوّي تلك الأبعاد البشرية داخل كل واحدٍ منا. فمن الممكن تعلم المهارات التقنية، بل وسيكون علينا إعادة تعلّمها مرارًا، لأن عمر المعرفة والمهارات سيصبح أقصر مع مرور الوقت.
لكن ما سيبقى معنا حقًا هو صفاتنا البشرية، وهي صفات سيكون لها دور كبير أيضًا في سوق العمل. إن هذه الصفات هي التي تجعلنا أشخاصًا أكثر قوة، وأكثر تميزًا، وأكثر تعاطفًا، تجعلنا أشخاصًا قادرين على وضع أنفسهم مكان الآخرين، ورؤية الأمور من منظور مختلف.
إن صفات البشر هي ما ستمنح الفرد الثبات والاستقرار في عالمنا المتغير، لأنها تمنحه التوازن الداخلي ومنظومة قوية من القيم الأساسية، وهذا ما يميّزه عمّا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقدمه.
إنه سؤال ناقشناه كثيرًا، سواء بالنسبة للطلاب أو أعضاء هيئة التدريس.
بالنسبة لطلابنا، فمن المؤكد أن الذكاء الاصطناعي سيؤثر على أعمالهم. وسواء كنت محاميًا أو محاسبًا أو تعمل في قسم التسويق، فإن الذكاء الاصطناعي يقوم الآن بإحداث تأثيرٍ كبيرٍ بالفعل. وفي العديد من المجالات، سيحتاج الطلاب إلى القدرة على استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء المسودات الأولى من خلال صياغة أسئلتهم بالطريقة الصحيحة، وهي مهارة يمكن تعلّمها. ولكن، بعد ذلك، كيف تقيّم المسودة الأولى وتحسّنها؟ وهنا يأتي دور التفكير الناقد. لكي تكون بارعًا في عملك، يجب أن تكون قادرًا على إعداد المسودة النهائية المثالية. يجب على الخريجين أن يعملوا مع العملاء بأساليب تتوافق معهم، مثل معرفة كيفية قراءة الغرفة وما يحدث فيها أو كيفية التفاوض. ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في بعض هذه الأمور، ولكن في النهاية، يجب أن تظهر الصفات البشرية.
أما بالنسبة للمعلمين، توجد جوانب عديدة لهذا الموضوع أيضًا. منها ما يتعلق بمن سيصبحون مبتكري الذكاء الاصطناعي المستقبلي. كيف ندربهم على ذلك؟ بالنسبة لطلاب ما قبل التخرج وطلاب الدراسات العليا الذين يدرسون علوم الحاسوب، ما الذي ينبغي أن يتعلموه؟ لستُ خبيرة في هذا المجال، لكننا بدأنا بالفعل مناقشات حول كيفية تفاعل الجيل القادم مع ما يُعرف اليوم بما بعد الحوسبة الكمومية. ومن خلال أبحاثنا، ينبغي أن نكون في طليعة هذا المجال، حتى نتمكن من نقله إلى حجرة الدراسة للطلاب الذين يطمحون إلى أن يجعلوه مسارهم المهني.
إنني متفائلة. فمع العقلية السليمة والقيم الراسخة، سينجح الشباب ويرتقي.
We use cookies to improve your online experiences. To learn more and choose your cookies options, please refer to our cookie policy.